سورة الأنعام - تفسير تفسير القشيري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأنعام)


        


غداً يوم تنتهك الأستار، وتظهر الأسرار- فكم من مُجَلَّل بثوب تقواه، ويَحْكُم له معارفُه بأنه زاهدٌ في دنياه، راغب في عقباه، محبٌ لمولاه، مُفَارِقٌ لهواه، فَيُكْشَفُ الأمرعلى خلاف ما فهموه، ويفتضح عندهم بغير ما ظنوه.
وكم من متهتك ستر بما أظهر عليه! ظنَّ الكلُّ أنه خليع العذار هيِّن الأعلال، مشوش الأسرار، فظهر لذوي البصائر جوهره، وبدت عن خفايا الستر حقيقته.
ثم قال: {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ} أخبر عما علم أنه لا يكون أنه لو كان كيف كان يكون؛ فقال لو رُدَّ أهل العقوبة إلى دنياهم لعادوا إلى جحدهم وإنكارهم، وكذلك لو رُدَّ أهل الصفاء والوفاء إلى دنياهم لعادوا إلى حسن أعمالهم.


يا حسرة عليهم من موقف الخجل، محل مقاساة الوَجَل، وتذكر تقصير العمل!
فهم واقفون على أقدام الحسرة، يقرعون أسنان النجز حين لا ندم ينفعهم، ولا شكوى تُسْمَعُ منهم، ولا رحمة تنزل عليهم.
وحين يقول لهم: أليس هذا بالحق؟ يُقِرُّونَ كارهين، ويصرخون بالتبري عن كل غَيْر.


خسران وأي خسران! لم يخسروا مالاً، ولا مقاماً ولا حالاً، ولكن كما قيل:
لعمري لئن أنزفتُ دمعي فإنه *** لفرقِه مَنْ أفنيتُ في ذكره عمري
المصيبة لهم والحسرة على غيرهم، ومَنْ لم يَعْرِفْ جَلالَ قدره متى تأسَّف على ما يفوته من حديثه وأمره؟!
وقوله: {وَمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ}: ما كان للنفس فيه حظ ونصيب اليوم فهو من الدنيا، وما كان من الدنيا فإنه- لا محالة- يُلهيك عن مولاك، وما يشغلك عن الحق ركونُه فغيرُ مباركٍ قُرْبُه.
قوله: {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِى يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللهِ يَجْحَدُونَ}: هذه تعزية للرسول- صلى الله عليه وسلم- وتسلية. أي قد نعلم ما قالوا فيك وهم إنما قالوا ذلك بسَببِنَا ولأَجْلِنا. ولقد كُنْتَ عظيمَ الجاه فيهم قبل أن أوقعنا عليكَ هذا الرقم؛ وكانوا يسمونك محمداً الأمين، فإنْ أصابَكَ ما يصيبك فَلأَجْلِ حديثنا، وغيرُ ضائعٍ لك هذا عندنا، وحالُكَ فينا كما قيل:
أشاعوا لنا في الحيِّ أشنع قصةٍ *** وكانوا لنا سِلْما فصاروا لنا حَربا

6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13